التوحّد

التوحّد

التوحّد عبارة عن اضطرابات في تطوّر الجهاز العصبي، والّتي تؤثّر على المتوحّد في اتّصاله مع البيئة الخارجيّة. يعاني منه الذكور بأربعة أضعاف أكثر من الإناث (ولهذا ينير العالم بأفراده ومؤسّساته في اليوم الثاني من نيسان الأضواء الزرقاء، تعبيرًا عن دعم مرضى التوحّد، وتمّ اختيار الأزرق كون الذكور أكثر عرضة للإصابة، مقابل اللون الوردي لمرضى سرطان الثدي).

يبدو العالم الخارجي للمتوحِّدين بغير ما يراه غيرهم، لذا تؤثّر هذه الصور الإدراكيّة على اتّصالهم بغيرهم، لأنّهم يُدركون الأمور بصورة مغايرة لما يدركه الآخرون. وهذا بطبيعة الحال يؤثّر على صداقاتهم، خيالهم، تفكيرهم، اتّصالهم بالآخر وتعاونهم معه، وعلاقاتهم الاجتماعيّة بشكل عام. أضف إلى ذلك، يفهم عادة المتوحِّدون الكلام المبسّط دون أن يفهموا ما يقصده المتكلّم من وراء الكلمات، لذا تراهم على سبيل المثال يستصعبون فهم النكت والتلميحات. ولهذا، تجد لديهم صعوبة في التواصل الكلامي وغير الكلامي وفي التفاعلات الاجتماعيّة واللعب مع أقرانهم، وعادة لا يُظهر المتوحّد ودًّا ولطافة وتفاعلًا حتّى مع والديه، فترى طفلًا رضيعًا -على سبيل المثال- لا يبتسم حين تداعبه، ولا يستمتع بضمّة الأهل وحمله. وحين يكون في جيل 2-3 سنوات يُلاحظ حبّه للعزلة ورغبته في اللعب وحده فقط.

جدير بالذكر أنّ الطفل المتوحّد عادة لا يلجأ لأهله إن تعرّض لمضايقة من أحد أو حتّى لإيذاء واعتداء، وهو في العادة لا يتعلّق بوالديه، ولا يجد فرقًا في حضورهم أو بقائه مع غريب. مع ذلك، فإنّه ينزعج في حال إجراء أي تغيير في معاملته العادية، فهو يفضّل النمطيّة ويقاوم أيّ تغيير، على سبيل المثال تراه يصرّ على اتّباع نفس الطريق للبيت أو للمدرسة ولا يبحث عن طرق بديلة، كذلك تراه يرفض تناول طعامه إذا تغيّر ترتيب المائدة، أو تغيّر مكانه فيها.

يعاني المتوحِّدون من مصاعب في ضبط التأثيرات الحسّيّة، فتراهم يتأثّرون أكثر من غيرهم بالصوت والضجّة والضوء والملمس والطعم والرائحة وكلّ ما من شأنه أن يحفّز الحواس، الأمر الّذي يثير فيهم انفعالات عصبيّة قد يكون لها ردود فعل وأثر على البيئة الخارجيّة، لذا يبدو المتوحّد أحيانًا بسبب ثورات الغضب بأنّه أقلّ أدبًا من غيره، لكنّ ذلك بسبب أنّهم لا يدركون الوضع الاجتماعي من حولهم كما يدركه الآخرون، بل بصورة مختلفة ورؤية مغايرة.

يُلاحظ أيضًا أنّ المتوحّد أكثر مهارة من غيره في واجباته المدرسيّة الّتي لا تتطلّب مهارة في التعبير، وذلك لصعوبة لديهم في تكوين وربط الجمل المفيدة، رغم أنّهم أحيانًا يملكون كمًّا واسعًا من المفردات..

جدير بالذكر أنّ التوحّد ليس حالة واحدة، فهناك من المتوحِّدين من هو قادر على إدارة حياة مستقلّة، في حين يعجز غيرهم عن ذلك لحاجتهم للمساعدة الدائمة.

كيف يتمّ تشخيص التوحّد؟

لا يمكن تشخيصه عبر فحص أشعّة أو فحوصات مخبريّة أو ما شابه، بل يبدأ التشخيص من ملاحظات الأهل والمحيط القريب عادة، حين يلاحظون سلوكيّات غريبة وغير ملائمة لجيل الطفل، ويجب حين يلاحظون ذلك استشارة طبيب العائلة بأسرع ما يمكن. مهمّ أن نشير إلى أنّ العوارض تختلف بين متوحّد وآخر، لذا فإنّ خطورة الأعراض تكون مختلفة أيضًا. اليوم، يمكن التشخيص بدءًا من جيل 1.5 العام، من قبل طواقم متعدّدة التخصّصات، منها طبيب نفساني، طبيب أعصاب، طبيب أمراض عقليّة، مختصّ باللغة والنطق ومختصّ بالعلاج الوظيفي.

 مسبّبات التوحّد

تشير الأبحاث إلى اجتماع عوامل وراثيّة وبيئيّة تتفاعل معًا وتؤثّر على تطوّر الدماغ فتخلق في الوليد طيف التوحّد. كما تشير الأبحاث إلى أنّ العائلة الّتي فيها من يعاني من التوحّد أكثر عرضة لأن يلد فيهم متوحِّد آخر. مهمّ أن نشير إلى أنّ التوحّد لا علاقة له بالظروف الاجتماعيّة ولا بالعلاقات الوالديّة ولا بالعناية الطبّيّة.

متى تظهر أعراض التوحّد؟

تظهر معظم أعراض التوحّد للأهل خلال السنة الثانية أو الثالثة من العمر، حيث يُلاحظ تأخّر تطوّر الطفل، وخاصّة التأخير في مهارات التواصل والتطوّر اللغوي (التأخير في التطوّر اللغوي وحده لا يشير بالضرورة إلى توحّد).

قد يُلاحظ على المتوحِّد بعض التشوّهات الخلقية البسيطة، مثل تشوّهات في الأذن الخارجية وتشوهات أخرى.

هل يمكن علاج التوحّد؟

حتّى اليوم لا يمكن علاج التوحّد، حيث لا دواء له. في المقابل، يمكن جدًّا تقليص آثاره إذا اعتنت العائلة بالمتوحّد واستطاعت دفعهم لتحقيق كامل قدراتهم. التوجيه والإرشاد والتحفيز والدعم كلّ ذلك يؤثّر إيجابًا على المتوحّدين ويدفعهم في مسار حياتهم.

نشير أخيرًا إلى أنّ التوحّد ليس نهاية الحياة، بل من أجمل ما قيل عنه "هو بداية لحياة جديدة مختلفة". وهناك إشارات إلى أنّ عظماء كثيرين أصيبوا بالتوحّد، نذكر منهم: نيوتن، أينشتاين، فان جوخ، بيل جيتس وستيفن سبيلبرج.

شارك المقال:

تواصل معنا

لأيّ تساؤل أو استفسار أو اقتراح، اترك تفاصيلك، وسنعود إليك بأقرب فرصة