السمنة الزائدة مرض

السمنة الزائدة مرض بل مرض مزمن ومرادف لأمراض الضغط والقلب والشرايين والسكر وغيرها, هذه حقيقة أقرّتها منظّمة الصحّوة العالميّة، لذا وجب التعامل معها تمامًا كتعاملنا مع أيّ مرض آخر. ويمكن تعريف السمنة تعريفًا تبسيطيًّا بكونها تراكمًا للدهون في الجسم نظرًا لأنّ السعرات الحراريّة الّتي تدخل إلى الجسم أكثر من السعرات الّتي يصرفها أو يحرقها الجسم.
وهناك مؤشر كتلة الجسم (BMI)، وهو عبارة عن معادلة علميّة نستطيع من خلالها فحص مستوى السمنة، وذلك حين نقسم الوزن (بالكغم) على مربّع الطول (بالمتر)، وهذا المؤشّر المتعارف عليه عالميًّا يحدّد أربعة مستويات للسمنة وفق نتيجة المعادلة (25-30 زيادة في الوزن، 30-35 سمنة درجة أولى، 35-40 سمنة درجة ثانية، أكثر من 40 سمنة مفرطة).
بغضّ النظر عن تعريف السمنة الزائدة، فإنّ الحقائق تؤكّد أنّ فرص الإصابة بأمراض أخرى مثل ضغط الدمّ، السكّري، القلب والسكتة الدماغيّة هي أعلى في صفوف طبقة ذوي السمنة الزائدة.
في التقرير الّذي أصدرته دائرة الإحصاء المركزيّة بيّنت أنّ السمنة منتشرة أكثر في الوسط العربي منه في المجتمع اليهوديّ، سواء بمقارنة الرجال العرب باليهود أو النساء العربيات باليهوديات. كما وتشير الإحصائيّات إلى كون هذه الظاهرة منتشرة أكثر في أوساط العرب الذين بلغت سنوات تعليمهم 12 سنة أو أقل عن الأكاديميين.
ليس عبثًا أنّ الدول تحاول تغيير الأنماط الاستهلاكيّة لدى الأسر والعائلات، فنراها تفرض "ضريبة السكّر" بحيث ترفع أسعار المشروبات المحلّاة بالسكّر، وذلك بهدف تقليص استهلاكها ولربّما منعه بالمطلق لما في هذا الاستهلاك من أضرار على صحّة المستهلك.
جدير بالذكر أنّ فترة انتشار فايروس الكورونا وما فرضه من تقييدات وإغلاقات رفع من نسبة المصابين بالسمنة، لا سيّما في صفوف الأطفال، حيث قلّ نشاطهم وتركّزت فعالياتهم بالألعاب الإلكترونيّة فقط دون مجهود يُبذل.
لا شكّ أنّ سمنة الأطفال تأثيراتها أصعب عليهم من غيرهم على المدى البعيد، إذ أنّ اعتياد الجسم من جيل مبكّر على أعداد وأحجام خلايا دهنيّة كثيرة من شأنه أن يرفع قابليّة أجسامهم على تخزين الدهون، وتصبح فرص إصابتهم بالسمنة مستقبلًا أعلى من غيرهم.
وعلى ذكر فايروس الكورونا، فإنّ المصابين بالوباء من طبقة ذوي السمنة الزائدة أثّر عليهم الفايروس بصورة أكبر من غيرهم، وذلك لأنّ الفايروس يهاجم جهاز التنفّس والرئة، وكذلك السمنة تضرّ بجهاز التنفّس وتشكّل ضغطًا على الرئة. فحصوا خلال دراسة بريطانيّة 500 مريض كورونا، ووجدوا أنّ 43% منهم يعانون من السمنة، في حين 30% يعانون من وزن زائد. وفي دراسة محلّيّة في بلادنا وجدوا أنّ 24% من مرضى الكورونا يعانون من السمنة المفرطة، وَ 34% يعانون من الوزن الزائد.
ليس هناك مسبّب واحد للسمنة، بل هي نتاج عوامل عدّة، لذا لا يمكن علاجها بطريقة واحدة فقط، فمثلًا، بعض مسبّبات السمنة هي وراثيّة، وعلاجها يتمّ باستشارة طبيب العائلة، في حين أنّ السمنة الناتجة عن نظام غذائي سيّء يمكن معالجتها مع اختصاصيّة تغذية.
رغم تعدّد أسباب السمنة إلّا أنّ الاختصاصيين والمهنيين يتّفقون على خطوط عريضة لمحاربة هذه الآفة، منها:
1.ضرورة جدولة النظام الغذائيّ، بحيث يحصل المرء على وجباته وفق نظام وبساعات محدّدة.
2.ضرورة تنويع النظام الغذائيّ، بحيث يحصل الجسم على كافّة الضرورات الغذائيّة، من بروتينات، نشويّات، وما شابه.
3.لتنويع النظام الغذائيّ وجب تنويع المأكولات، من لحوم وأسماك وبقوليّات وحبوب ومنتجات الألبان.
4.ضرورة ممارسة النشاط الرياضيّ والمواظبة ولو على القليل منه.
5.لا نأكل من ملل، بل نأكل فقط في حالة جوع حقيقيّ.
أمّا بالنسبة للأطفال، فبعض الأبحاث تشير إلى أنّ أصول المرض يبدأ من مرحلة الجنين، لذا هناك تأثير للأنماط الحياتيّة للأمّ على ما يكتسبه الجنين من صفات وراثيّة ومن تأثيرات أخرى على صحّته. بعض الأمراض المزمنة، مثل هشاشة العظام، هي أخطار خفيّة دفينة في الطفل حتّى في مرحلة كونه جنينًا. على الأهل مراعاة مبدأ التوازن الغذائي لدى أطفالهم، بحيث يحصلون على حاجتهم من الغذاء دون إفراط ولا تفريط، وأن تتنوّع هذه الأغذية لتشمل كافّة العناصر الغذائيّة.
وتجاوزًا عن هذه المرحلة إلى مرحلة الطفولة والطفولة المبكّرة، فإنّ هناك إرشادات هامّة نلفت نظر الوالدين إليها في تعاملهم مع الأنماط الغذائيّة لأطفالهم، وهي على نحو ما يلي:
1.أن يكونوا قدوة حسنة في نظامهم الغذائيّ وفي محافظتهم على نشاط رياضيّ.
2.يمكن ممارسة النشاط الرياضي الأسري، بحيث تقوم العائلة كلّها في ممارسة الرياضة في نفس الوقت، وذلك للتشجيع.
3.تحديد أوقات استخدام الأطفال للشاشات وللألعاب الإلكترونيّة.
4.النوم بساعات مبكّرة، وعدم السهر لساعات متأخّرة من الليل، فإنّ النوم بساعات متأخّرة يعيق إفراز هرمون النموّ.
5.تحديد أو منع شرب المشروبات المحلّاة بالسكّر.
6.تحديد أو منع المأكولات السريعة.
7.ننصح الأهل ورياض الأطفال والبساتين بتوعية الأطفال حول المفاهيم الجسديّة، بحيث يتعرّف الطفل على جسده وعلى أعضائه، وتوضيح ضرر بعض المأكولات على بعض الأعضاء الجسميّة. كذلك حبّذا لو تهتمّ رياض الأطفال والبساتين بتخصيص ساعة للتمارين الرياضيّة للأطفال، وذلك لتذويت القيمة الرياضيّة وفوائدها على الجسم.
8.بعض الأخطار على الطفل قد لا تكون مكشوفة، فمثلًا ينظر بعضهم إلى إرهاق ابنه/ابنته على أنّه أمر طبيعيّ، في حين قد يكون مردّ ذلك إلى نقص فيتامينات معيّنة إثر عدم حصوله على بعض الأغذية.
جدير بالذكر أنّ فترة الطفولة بين 3-6 سنوات هي فترة حرجة جدًّا في كلّ ما يتعلّق بتذويت أنماط غذائيّة نافعة لدى الأبناء، حتّى أنّ البعض وصفها بفترة "النافذة"، بحيث من خلالها يمكن رؤية مستقبل الطفل الصحّيّة. هذه فترة "لمّ شمل الدهون"، فالطفل في هذه الفترة أكثر قابليّة للبدانة والسمنة، وإذا لم يسيطر الأهل على بدانة وسمنة طفلهم فإنّ هذا سيعيق سيطرة هؤلاء الأبناء على أجسامهم مستقبلًا، بحيث يصعب تصويب المسار نحو أنماط غذائيّة نافعة.
بكلمات بسيطة: فترة الطفولة فرصة الأهل لتوجيه الأبناء نحو نمط حياة صحّيّ، وأنماط غذائيّة صحّيّة.
لا يكفي أن نهتمّ كأهل بالتحصيل المدرسيّ، بل أكثر ما علينا الاهتمام به هو صحّة الأبناء، والقاعدة بسيطة: نظام غذائيّ، ساعات نوم كافية، رياضة.