بين الإدمان على التدخين والإدمان على الرياضة

أنماط حياتنا تبلور صحّتنا. علينا أن نعلم بأنّ الكثير الكثير من الأمراض مرتبطة بنمط الحياة الّذي نختاره لأنفسنا، بمعنى أنّنا قادرون على جذب المرض من خلال نمط حياة معيّن، كما بإمكاننا الحفاظ على جسد صحّي معافى إن حافظنا على نمط حياة صحّي وسليم. وعلينا أن نعلم أيضًا بأنّ ما نقوم به اليوم من عادات وسلوكيّات سيؤثّر علينا لاحقًا مع تقدّم الأيّام والسنون.
وحينما نتحدّث عن الأنماط الحياتية فإنّنا نشمل كلّ شيء تقريبًا: أكل، شرب، ضغوطات عمل وعائلة، عادات، إدمان وغير ذلك. ولكلّ عادة نقيضها، فالعادة السيّئة تقابلها عادة إيجابيّة، والأكل أو الشرب الضارّ له ما يقابله من أكل وشرب صحّي، والتعامل مع الحياة بنفسيّة قلقة متوتّرة يقابلها الهدوء والاتّزان ووضع الأمور في نصابها الصحيح دون مبالغات أو إفراط. حتّى الأمكنة، هي جزء من نمط الحياة، ولها تأثير على صحّتنا، فالمكان الّذي يثير فيك السخط والغضب يؤثّر سلبًا على صحّتك، ويقابله المكان الّذي يملؤك هدوءً وراحة وسكينة.
ومن العادات السلبيّة لجوء الواحد منّا إلى السيجارة والتدخين حينما يغضب أو يثور، وكذلك إذا ما شعر بالوحدة، حتّى لو لم يكن محسوبًا على صفوف المدخّنين. ولذلك أسباب معروفة، حيث أنّ النيكوتين الموجود داخل السجائر، حينما يدخل إلى دماغ الإنسان فإنّه يفعّل هرمون السعادة (السيروتونين) وهرمون المتعة (الدوبامين)، وبالتالي يهدّئ من الغضب والإثارة والشعور بالوحدة.
يحفّز النيكوتين إفراز مادة الدوبامين الكيميائية في الدماغ، ويشارك في إثارة المشاعر الإيجابية. غالبًا ما يكون الدوبامين منخفضًا لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، والذين قد يستخدمون السجائر كوسيلة لزيادة الدوبامين لديهم بشكل مؤقت. جدير بالذكر، أنّ النيكوتين يثير إحساسًا فوريًّا بالرغبة بالاسترخاء، وهذا هو معنى التخفيف من التوتّر الّذي يتحجّج فيه المدخّن، وهذا الشعور مؤقّت، حيث أنّ التدخين يشجّع الدماغ على إيقاف آليته الخاصّة في إنتاج الدوبامين، لذلك نلاحظ على المدى الطويل أنّ سيجارة واحدة لا تكفي لتهدئة التوتّر أو تحفيز السعادة، فيضطرّ المدخّن لرفع كميّات سجائره.
لا شكّ إذن بأضرار التدخين على صحّة المدخّن، ومع ذلك يصرّ الكثيرون على الاستمرار بهذه العادة السلبيّة غير الصحّيّة، الأمر الّذي لا يدع مجالًا للشكّ بأنّ المداومة على التدخين نابع من الإدمان، وأنّ شركات السجائر تحرص على توفير موادّ ترفع من قدرة السيجارة على سلب إرادة المدخّن. وهذا الإدمان له أسباب عديدة: منها فسيولوجي (النيكوتين والدوبامين)، ومنها نفسي وأساسه القلق وأسبابه متعددة (عدم الثقة بالنفس، اضطرابات في المنزل أو العمل..)، ومنها شخصي ناتج عن التركيبة الجينية التي قد تكون وراء السبب للإدمان على السجائر، مثلًا هناك من يحاول تجربتها وتكون جيناته الخاصّة بالذوق أو الشم وراء تقبّل طعمها ورائحتها، فتكون تجربته مع السيجارة إيجابيّة ويدمن بالتالي عليها.
قلنا في بداية مقالنا أنّ كلّ عادة سيّئة تقابلها عادة إيجابيّة، والآن سنعرض الرياضة كنمط حياة بديل عن التدخين، حيث يمكن تحفيز هرمونات السعادة والتغلّب على الاكتئاب والقلق من خلال الرياضة بدلًا من لجوئك إلى السيجارة، وبهذا تُدمن ما ينفع الجسم والصحّة وتنبذ الإدمان الضارّ القاتل.
بعد كلّ تمرين ونشاط رياضي يفرز الدماغ مادّة تسمى "إندورفين"، وفي ظلّ تحفيز "الإندورفين" يكون الجسم والعقل في حالة استرخاء وشعور باللذّة والسعادة، ممّا يجعل الرياضي يشعر بالسعادة والرضا، ولاحقًا تصبح الرياضة وسيلته للتغلّب على مشاعر التوتر وطرد الكآبة. لهذا، نسمع من عشّاق الرياضة بأنّها ملجأهم في كلّ حالاتهم النفسيّة المتوتّرة.
يرى الباحثون بأنّ الرياضة قد تكون بديلًا عن الأوهام الّتي تحدثها السيجارة من جلبٍ لمشاعر السعادة على المدى القصير، وما تحدثه من أضرار كبيرة قاسية على المدى البعيد، ويُنصح باللجوء إلى الرياضة لطرد الكآبة والقلق، وجلب الصحّة والسعادة، وننصح إضافة إلى ذلك بما يلي:
1.انتبه أنّ هذه المشاعر الّتي نتحدّث عنها (سعادة، طرد الكآبة والقلق) لا تحصل في يومك الأوّل مع الرياضة، وعليك المواظبة 3 أشهر على أقلّ تقدير لتحفيز هرمونات السعادة المطلوبة.
2.عليك اختيار الرياضة الّتي تلائمك، فجميعها يحفّز هرمونات السعادة، المهم أن تختار ما يلائم قدراتك ورغباتك كي لا تُحبَط من عدم القدرة على المواظبة. يمكنك أيضًا التنويع بالرياضات، فمثلًا في صالات الرياضة عادة ما تكون لقاءات لنشاطات رياضيّة متنوّعة، حاول المشاركة فيها ولو بوتيرة منخفضة.
3.ضع برنامجًا سنويًّا، وقل لنفسك: "سأواظب جلبًا للصحّة والمنفعة الصحّيّة، وسأراقب التغيير الطارئ على جسدي وصحّتي بعد عام". إن قمت بذلك، ستلاحظ التغيير البنيوي الإيجابي والجميل على جودة حياتك وصحّة وجمال جسدك، وهكذا يصعب عليك أن تترك هذا الإدمان الجميل.
4.قد تحتاج لمجموعة تشجّعك على ممارسة الرياضة، فشارك أحد المقرّبين المواظبين على الرياضة، ورافقه في تمارينه، لا سيّما في المراحل الأولى من مشوارك الرياضي.