الرّياضة، طريقك إلى حياة صحّيّة مريحة

جسم الإنسان مركّب من أجهزة وأعضاء مختلفة، والنشاط الرياضي لا يؤثّر فقط على العضلات، بل يؤثّر أيضًا على أجهزة أخرى في الجسم، كجهاز التنفس والدورة الدموية والقشرة الدماغية، وغيرها. جميعنا قادرون على ممارسة الرياضة البدنيّة، جميعنا دون استثناء، بعضنا قادر على ممارسة رياضة تنافسيّة، وبعضنا يكتفي برياضة تنشيطيّة للدورة الدمويّة، بعضنا يحترف رياضة معيّنة، وآخرون يرغبون برياضة من نوع آخر، وكلّ هذا جميل وذو فائدة على الجسم والخلايا والدورة الدمويّة، المهمّ أن نحافظ على الرياضة بوتيرة معيّنة كي تعود الفائدة علينا.
إحدى الظواهر المعروفة في أوساط المقبلين على الرياضة هي حماسهم المفرط في بداية الطريق، ثمّ سرعان ما يجمّدون نشاطهم الرياضيّ، لذا، يُنصح بالانخراط تدريجيًّا في النشاطات الرياضيّة، والمثابرة ولو على القليل، فقليل دائم منها خير من كثير منقطع. ويمكن تنويعها منعًا للملل، فالمشي وركوب الدراجة والخيل والركض ورفع الأثقال وغير ذلك من النشاطات المتّبعة، كلّها رياضات تؤتي الخير والمنفعة.
أمراض وظواهر كثيرة يكون مردّها تقاعس المرء عن مزاولة نشاط رياضيّ، منها دهنيّات في الشرايين، سمنة زائدة، مفاصل، آلام عضلات الظهر، فقدان الشهيّة، الإمساك، ضعف العضلات، سكّري، عدم انتظام في نبضات القلب، ضعف النبض، انخفاض ضغط الدم، وفقًا لتقرير بحثي من جامعة هارفارد فإنّ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام من شأنها تقليل خطر الإصابة بالنوبات القلبية بنسبة 35%. وينصح الأطبّاء كلًّا منّا بمزاولة الرياضة كوقاية وحماية، وأيضًا كعلاج، كلٌّ وفق ظروفه ووفق برنامج عمله ووفق رغباته، فمنّا من يفضّل الرياضة الفرديّة، ومنّا من يزاول النشاط الرياضي كعائلة وأسرة، وآخرون يمارسونها في مجموعة كرياضات جماعيّة (يُطلق عليها أيضًا "رياضات اجتماعيّة" لما فيها من تقريب بين أفراد المجموعة وبناء علاقات إنسانيّة طيّبة بين أبناء الحيّ أو أبناء البلد الواحد أو بين زملاء العمل).
إنّ ممارسة الرياضة بانتظام، والمداومة عليها، يرفع من عدد خلايا الدم البيضاء ويُعلي من نشاطها، الأمر الّذي يقوّي من مناعة الجسم وحصانته مقابل الفيروسات والأمراض. لهذا، نرى أنّ الرياضيين مفعمون بالطاقات الإيجابيّة والحيويّة والنشاط، ونجد أنّ مظهرهم الخارجيّ لا يوحي بأعمارهم الحقيقيّة، فالرياضة تؤخّر عملية الشيخوخة، وتقلّل من العمر البيولوجي للمرء على الرغم من تقدّم عمره الزمني.
أضف إلى ذلك، كذلك يمكن للرياضة أن تعزّز من نشاط الدورة الدمويّة، وتُحدث توازنًا في مستوى ضغط الدم، وتحسّن من مستوى الأكسجين في الدم، وتغذية الخلايا الدماغيّة وتحسّن كفاءة عملها، إضافة إلى تأثيرها على تخفيض التوتر العصبي العضلي، وعلى الاكتئاب والأرق. لذا نجد أنّ الاختصاصيين النفسيّين ينصحون بالرياضة أيضًا، فلها انعكاسات إيجابيّة على الجهاز العصبي للجسم، وتحفّز على استثارة الجهاز العصبي المقاوم للإحباط والاكتئاب. وتشير الدراسات إلى تمتّع الرياضيين بتجارب عاطفيّة وسعادة وراحة نفسيّة أكثر من المقعدين عن الرياضة، وقد يكون مردّ ذلك إلى كون الرياضة وتأثيرها البنيوي على الجسم يرفع من ثقة المرء بنفسه، فيحترم جسده أكثر، ممّا يقضي على الاكتئاب والإحباط والكدر النفسي.
في ظلّ غياب العمل الجسدي في الحقول، نظرًا لتحوّل معظمنا من مجتمع قروي ريفي إلى مجتمع إلكتروني مدني متحضّر، فإنّ النشاط البدني قلّ بصورة كبيرة جدًّا، فنرى أنّ الغالبية الساحقة منّا يخرجون من بيوتهم بسيّارة مكيّفة، بدلًا عن المشي، ولو كان مكان العمل قريبًا، ونلهو للترفيه بتطبيقات وألعاب إلكترونيّة بدلًا من الرياضيّة، وحتّى خدمات المؤسّسات توفّرت لنا دون حاجة لأن نخرج من أماكننا، وبالكاد يتحرّك المرء في عمله. وهذه أمور خطيرة مقلقة وقد تكون قاتلة، لننظر -على سبيل المثال فقط- إلى دراسة معيّنة وجدوا فيها أنّ الأفيال في البريّة يمكن أن تعيش حتى 200 عام، وبمجرّد حبسها في حديقة مع تقديم كافّة الظروف الحياتيّة وأفضلها فإنّ معدّل أعمارها تنخفض إلى 80 عامًا. السبب في ذلك، هو أنّها تضطرّ في البريّة للتجوّل يوميًّا بحثًا عن طعامها، وتقوّي ملكات وأحاسيس منبّهة للخطر كي تدافع عن نفسها، وتواجه تقلّبات الطقس الّتي تقوّي مناعتها وحصانتها، في حين ينعدم ذلك كلّه حين تسجن في حديقة ويتوفّر لها كلّ ذلك دون حركة أو نشاط.
لا يهمّنا كثيرًا مكان مزاولة النشاط الرياضي، فبعضهم يمارسون الرياضة في القاعات المغلقة، وآخرون في برك السباحة أو البحر، وبعضهم في مسارات المشي في الحقول والغابات وفي ضواحي البلدة. كلُّ هذا جميل ومحبّذ، شرط أن نبتعد عن الأماكن المؤذية، مثل الّتي تكثر فيها الحرائق، فنضطرّ لاستنشاق غازات قد تكون سامّة خلال ممارستنا للرياضة.
وأخيرًا، يُنصح الأهل بتربية أبنائهم على حبّ الرياضة وممارستها من جيل صغير، فمثلها يمنع السمنة المبكّرة، وينشّط الخلايا الدماغيّة، لا سيّما في ظلّ تعلّق الأبناء بالأجهزة الإلكترونيّة، وقعودهم عن القيام بأيّ نشاط.
واظبوا على الرياضة، فمن شأنها أن تجعل من العمر مجرّد رقم.