يوم التوعية العالمي من الإساءة إلى كبار السنّ

من الأيّام المستحدثة علينا في هذا العصر هو يوم التوعية ضدّ الإساءة إلى كبار السنّ، إذ لم يكن يخطر ببال الآباء والأجداد -لا سيّما في المجتمع العربي- أن نصل إلى يوم نحتاج فيه مثل هذا اليوم، فاحترام الكبار قيمة عليا تربّت عليها أجيالٌ وأجيال، ولا علاقة لها بدين أو فكر، فهي مبدأ اجتماعي أخلاقي أصيل.
لكنّ الحياة تتغيّر، وليس دائمًا للأفضل، وبتنا نسمع عن اعتداءات ومضايقات جسديّة ونفسيّة يتعرّض لها الكبار في كلّ مجتمع. هذا في بلادنا، وهي بلاد متقدّمة وفيها رقابة ورعاية للكبار، فما بالكم في دول ومجتمعات لا تحترم السلطات كبار السنّ ولا تهتمّ بحقوقهم وواجباتهم؟ يبدو فعلًا أنّنا بحاجة لمثل هذا اليوم، على أمل أن يقع صداه على قلوب واعية مصغية.
بعض كبار السنّ أقوياء، لا يحتاجون منّا شيئًا، حتّى أنّ أرواحهم وتوجّههم للحياة هو توجّه شبابي مفعم بالأمل والروح دون أيّ علاقة لأرقام السنين العدديّة، شعارهم: العمر نحو السبعين يجري مسرعًا، والروح ثابتةٌ على العشرينِ.
ولنبدأ منهم، فهذه الروح وهذه الصحّة الجيّدة رغم تقدّم السنّ نابعة بالضرورة من حفاظهم على نهج حياة صحّي وتغذية سليمة. لقاءات كثيرة أجريت مع المعمِّرين سنًّا، وجميعهم أشاروا إلى ضرورة انتقاء الغذاء الصحّي والحفاظ على جودة حياة عالية من أجل أن ينعموا بصحّة وقوّة في جيل الشيخوخة. ولننتبه إلى نقطة هامّة في هذا الشأن:
صحيح أنّهم ينعمون بصحّة جيّدة، لكنّهم بحاجة إلى رعاية نفسيّة، فتقدّم العمر يصيب بالوحشة والوحدة ويجب علينا مجالستهم والحديث معهم لأنّهم غالبًا ما يشعرون بفراغ.
هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك كبار السنّ الّذين يحتاجون رعايتنا صحّيًّا ونفسيًّا، وهؤلاء يحتاجون منّا رعاية مضاعفة، وإن كان أقلّ الواجب عدم الإساءة لهم بحال.
قد يُسأل حول الأسباب الّتي تدفع بالمرء لأن يسيء التعامل مع الكبار، رغم أنّه بقناعاتنا لا يوجد سبب يمكن أن نتقبّله منطقيًّا ولا عقليًّا ولا ضميريًّا. عمومًا نشير إلى بعض الأسباب الّتي يمكن تمييزها -طبعًا نحن نتحدّث عن الإساءة المقصودة المتعمّدة:
أسباب اجتماعيّة أسريّة - كأن يكون هناك تحريض ما من قبل أحد أعضاء الأسرة أو العائلة.
أسباب اقتصاديّة - كأن يشعر المرء بثقل اقتصاديّ جرّاء رعايته للكبير، أو لأسباب تتعلّق بالميراث.
أسباب عصبيّة - حيث يمكن أن تدفع هذه الأسباب إلى الاعتداء على الكبير القريب أو حتّى الكبير الغريب لمجرّد ضعفه.
أسباب مؤسّساتيّة – حيث في بعض الأحيان يتعرّض الكبير للإساءة من العاملين في المؤسّسة الّتي يمكث فيها (دور العجزة وما إلى ذلك).
أنواع الاعتداءات
تتنوّع الاعتداءات على كبار السنّ، ويمكن أن نلخّصها على نحو ما يلي- ننوّه أنّ بعض الاعتداءات قد تشمل أكثر من نوع:
اعتداءات جسديّة – بالضرب أو التقييد أو الحرمان من النوم أو الحرمان من الأكل أو الأكل القسري أو منع الدواء عنهم وغيرها من الاعتداءات الّتي تؤذي الجسد بصورة مباشرة.
اعتداءات نفسيّة – بألفاظ جارحة أو بنظرات قاسية أو بإهمال متعمّد لنظافتهم أو هجرانهم أو عدم توفير مأوى مريح وملائم وغيرها.
اعتداءات اقتصاديّة – اختلاس حقوقهم ومستحقّاتهم أو إرغامهم على التنازل عن أملاكهم وغيرها.
ما الحل؟
أوّلًا - بالتوعية والتثقيف وغرس المبادئ الأخلاقيّة الحميدة الّتي تربّى عليها الأجداد. لا شيء أفضل من التربية، ولا وسيلة نافعة أكثر من أن يكون الدافع لاحترام الكبير ورعايته نابعًا من قناعة داخليّة ومن ضمير حيّ.
ثانيًا - بمراقبة الكبير ومتابعة أخباره وأموره، وإن اضطررنا بتثبيت كاميرات لمراقبة حاله إن كان يتعرّض لأيّ نوع من الاعتداءات.
ثالثًا – بتبليغ الجهات المختصّة إن رأينا كبيرًا يتعرّض لاعتداء، فالمجتمع يجب أن لا يخرس عن مثل هذه المظاهر.
رابعًا – بالعقاب الاجتماعي لكلّ من يهين كبيرًا، بحيث تتمّ مقاطعته.
اليوم نرعاهم، وغدًا نحن أحوج لمن يرعانا، فلنقدّم رصيدًا نلقاه!